سورة الزمر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


قوله تعالى: {أفمَنْ شَرَحَ اللهُ صدره} قال الزجاج: جوابه متروك، لأنَّ الكلام دالٌّ عليه، تقديره: أفمن شَرَحَ اللهُ صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يَهْتَد؟ ويُدلُّ على هذا قوله: {فوَيْلٌ للْقاسية قلوبُهم}؛ وقد روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، فقلنا: يا رسول الله وما هذا الشَّرْحُ؟ فذكر حديثا قد ذكرناه في قوله: {فمَنْ يُرِدِ الهُ أن يُهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للاسلامِ} [الأنعام: 125].
قوله تعالى: {فهُوَ على نُورٍ} فيه أربعة أقوال.
أحدها: اليقين، قاله ابن عباس.
والثاني: كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه، قاله قتادة.
والثالث: البيان، قاله ابن السائب.
والرابع: الهُدى، قاله مقاتل.
وفيمن نزلت هذه الآية؟ فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها نزلت في أبي بكر الصِّدِّيق وأًبيّ بن خَلَف. رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: في عليّ وحمزة وأبي لهب ووولده قاله عطاء.
والثالث: في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فوَيْلٌ للقاسية قُلوبُهم من ذِكْر الله} قد بيَّنّا معنى القساوة في [البقرة: 74].
فإن قيل: كيف يقسو القلب من ذِكْر الله عز وجل؟
فالجواب: أنه كُلَّما تُلِيَ عليهم ذِكْرُ الله الذي يكذِّبونَ به، قَسَت قلوبُهم عن الإيمان به. وذهب مقاتل في آخَرِين إِلى أنَّ {مِنْ} هاهنا بمعنى عَنْ، قال الفراء: كما تقول: أُتْخِمْتُ عن طعام أكلتُه، ومِنْ طعام أكلتُه؛ وإِنما قَسَت قلوبُهم مِنْ ذِكْر الله، لأنهم جعلوه كذباً فأقسى قلوبَهم؛ ومن قال: قَسَت قلوبُهم عنه، أراد: أَعرضتْ عنه. وقد قرأ أُبيُّ ابن كعب، وابن أبي عبلة، وأبو عمران: {قُلوبُهم عن ذِكْر الله} مكان قوله: {منْ}.


قوله تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحديث} يعني القرآن، وقد ذكرنا سبب نزولها في أول يوسف.
قوله تعالى: {كتاباً متشابهاً} فيه قولان:
أحدهما: أن بَعْضهُ يشْبِه بَعْضاً في الآي والحروف، فالآية تُشْبِه الآية، والكَلِمَة تُشْبِه الكَلِمة، والحَرْفُ يُشْبِه الحَرْفَ.
والثاني: أن بَعْضَه يصدِّق بَعْضاً، فليس فيه اختلاف ولا تناقض.
وإنما قيل له: {مَثانيَ} لأنه كُرِّرت فيه القصص والفرائض والحدود والثَّواب والعقاب.
فإن قيل: ما الحكمة في تكرار القصص، والواحدة قد كانت تكفي؟
فالجواب: أن وفود العرب كانت تَرِدُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيُقرئهم المسلمون شيئاً من القرآن، فيكون ذلك كافياً لهم، وكان يَبْعَثُ إلى القبائل المتفرِّقة بالسُّوَر المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثنّاة مكرَّرة، لوقعتْ قصةُ موسى إِلى قوم، وقصةُ عيسى إِلى قوم، وقصةُ نوح إِلى قوم، فأراد الله تعالى أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويُلْقِيَها إِلى كل سَمْع، فأمّا فائدة تكرار الكلام من جنس واحد، كقوله: {فبأيِّ آلاءِ ربِّكما تكذِّبان} الرحمن، وقوله: {لا أعبدُ ما تعبُدونَ} الكافرون وقوله: {أَوْلَى لَكَ فأَوْلًى} [القيامة: 34 35] {وما أدراك ما يومُ الدّينِ} [الانفطار: 17 18] فسنذكرها في سورة {الرحمن} عز وجل.
قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ منهُ جلودُ الذين يَخْشَوْنَ ربِّهم} أي: تأخذُهم قشعريرة، وهو تغيُّر يحدُث في جِلْد الإِنسان من الوَجَل. وروى العباس ابن عبد المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذا اقشعرَّ جِلْد العَبْد من خَشْية الله، تَحاتَّتْ ذُنوبُه كما يتحاتُّ عن الشجرة اليابسة ورقُها»
وفي معنى الآية ثلاثة أقوال.
أحدها: تَقْشَعِرُّ من وَعيده، وتَلين عندَ وعْده، قاله السدي.
والثاني: تَقْشَعِرُّ من الخَوْف، وتَلِينُ من الرَّجاء.
والثالث: تَقْشَعِرُّ الجُلود لإِعظامه، وتَلِينُ عند تلاوته، ذكرهما الماوردي.
وقال بعض أهل المعاني: مفعول الذِّكْر في قوله: {إِلى ذِكْر اللهِ} محذوف، لأنه معلوم؛ والمعنى: تَطْمَئنُّ قلوبُهم إِلى ذِكْر اللهِ الجنةَ والثوابَ. قال قتادة: هذا نَعْتُ أولياء الله، تقشَعِرُّ جلودُهم وتَلِينُ قلوبُهم، ولم يَنْعَتْهم بذَهاب عُقولهم والغِشْيان عليهم، إنَّما هذا في أهل البِدَع. وهذا من الشَّيطان. وقد روى أبو حازم، قال: مَرَّ ابنُ عمر برجُل ساقط من أهل العراق، فقال: ما شأنُه؟ فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن يُصيبه هذا. قال: إِنّا لنَخشى اللهَ عزّ وجلّ، وما نَسْقُط. وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: جئتُ أبي، فقال لي: أين كنتَ؟ فقلت: وجدتُ قوماً، ما رأيت خيراً منهم قَطٌّ، يذكُرون الله عز وجل فيُرعَد واحدهم حتى يُغْشَى عليه من خَشْية الله عز وجلّ، فقعدتُ معهم، فقال: لا تقعُد معهم بعدها أبداً. قال: فرآني كأني لم يأخذ ذلك فيَّ فقال: رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، ورأيتُ أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يُصيبُهم هذا من خَشْية الله تعالى، أفتَرَى أنهم أخشى لله من أبي بكر وعمر، قال: فرأيت ذلك كذلك.
وقال عكرمة: سُئلتْ أسماءُ بنت أبي بكر: هل كان أحد من السَّلَف يُغشى عليه من الخوف؟ قالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون. وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجَدَّتي أسماءَ بنتِ أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم اللهُ تعالى، تَدْمَعْ أعيُنُهم وتَقْشَعِرُّ جلودهم. فقلت لها: إِنَّ ناساً اليوم إذا قرئ عليهم القرآن، خَرَّ أحدُهم مَغْشِيّاً عليه؟ فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وكان جَوّاب يُرْعَدُ عند الذِّكْر، فقال له إبراهيم النخعي: إن كنت تملكه، فما أُبالي أن لا أعتدَّ بك، وإن كنتَ لا تملكه، فقد خالفتَ من كان قبلك.
قوله تعالى: {ذلك هُدى الله} في المشار إِليه قولان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل.
والثاني: أنه ما يَنْزِلُ بالمؤمنين عند تلاوة القرآن من اقشعرار الجلود عند الوعيد، ولينها عند الوعد، قاله ابن الأنباري.


قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بوجهه سُوءَ العذاب} أي: شِدَّتَه. قال الزجاج: جوابه محذوف، تقديره: كَمَنْ يدخُل الجنة؟ وجاء في التفسير أن الكافر يُلقى في النار مغلولاً، ولا يتهيَّأ له أن يتَّقيَها إلاّ بوجه.
ثم أخبر عمّا يقول الخَزَنة للكفار بقوله: {وقيل للظالِمِين} يعني الكافرين {ذُوقوا ما كنتم تَكْسِبونَ} أي: جزاء كَسْبِكم.
قوله تعالى: {كذَّب الذين مِنْ قَبْلهم} أي: من قبْل كفار مكة {فأتاهم العذاب من حيث لا يَشْعُرون} أي: وهم آمنون غافلون عن العذاب، {فأذاقهم اللهُ الخِزْيَ} يعني الهوان والعذاب، {ولَعذابُ الآخرة أكبرُ} ممّا أصابهم في الدنيا {لو كانوا يَعْلَمونَ}، ولكنهم لا يعلمون ذلك.
{ولقد ضَرَبْنا للناس في هذا القرآن} أي: وَصَفْنا لهم {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي: من كل شبه يشبه أحوالهم.
قوله تعالى: {قُرآناً عربياً} قال الزجاج: {عربياً} منصوب على الحال، المعنى: ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيَّته وبيانه، فذكر {قرآنا} توكيداً، كما تقول جاءني زيد رجلاً صالحاً. وجاءني عمرو إِنساناً عاقلاً، فذكر رجلاً وإنساناً توكيداً.
قوله تعالى: {غَيْرَ ذي عِوَجٍ} روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: غير مخلوق. وقال غيره: مستقيم غير مختلف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8